بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

جزاكم الله تعالي خيرا اود ان اسأل سؤال هو ما حكم عمل صور للشهداء والموتي وتعليقها علي الجدران وهل يفعل اخوانا السلفية مثل هذة الصور كالاحزاب الضالة ؟

شكرا

السائل: الله اكبر دين الله غالب

المجيب: اللجنة الشرعية في المنبر


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبيه الكريم
وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد :

فقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي ،
فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة" .

ولهما أيضاً عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون" .

ولهما عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يقول : إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم" .

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"من صوَّر صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ" متفق عليه

و عن سعيد بن أبي الحسن قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أُصور هذه الصور
فأفتني فيها، فقال: أدن مني، فدنا منه، ثم قال : ادن مني، فدنا منه حتى
وضع على رأسه فقال: أُنبؤك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً تعذبه في جهنم" وقال : إن
كنت لابد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له . رواه مسلم

لكن اختلف أهل العلم في تحديد الصور المحرمة على عدة أقوال ذكرها العلامة ابن حجر في شرحه للبخاري فقال :

(حاصل ما في اتخاذ الصور إنها إن كانت ذات أجسام حَرُمَ بالإجماع ، وإن كانت رقماً في ثوب فأربعة أقول :

الأول : يجوز مطلقاً عملاً بحديث إلا رقماً في ثوب .
الثاني : المنع مطلقاً عملاً بالعموم .
الثالث : إن كانت الصورة باقية بالهيئة ، قائمة الشكل حرم ، وإن كانت مقطوعة الرأس ، أو تفرقت الأجزاء جاز ، قال : وهذا هو الأصح .
الرابع : إن كانت مما يمتهن جاز و إلاّ لم يجز ، واستثني من ذلك لعب البنات .) ا ه .

أما بالنسبة للصور الفوتوغرافية فالذي يظهر والله أعلم أنها غير داخلة في التحريم وذالك من عدة أوجه :

الوجه الأول : أن علة تحريم الصور هي "مضاهاة خلق الله" لما ورد في الحديث القدسي : "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي" والصور الفوتوغرافية ليس فيها مضاهاة لخلق الله ولو كانت كذالك لكانت المرآة أيضا مضاهاة لخلق الله ..

فالمرآة والصورة الفوتوغرافية ما هما إلا مرآة لهيئة الإنسان التي خلقها الله تعالى ..فلا يتحقق فيهما وصف مضاهاة خلق الله الذي هو علة التحريم .

أما الصورة المصنوعة بمعالجة اليد فهي تعكس مهارة المصور وقدرته على المحاكاة وبذالك يتحقق فيها وصف المضاهاة.

الوجه الثاني : قياس الصور الفوتوغرافية على المرآة

الصورة الفوتوغرافية أقرب إلى حالة المرآة منها إلى حالة الصورة المصنوعة بمعالجة اليد .

فالصواب أن يقال بأنه ينبغي تخصيص الصور الفوتوغرافية من عموم التصوير المحرم قياسا على المرآة بجامع أن كلا منهما يعكس وصف الأشياء دون أي تغيير ولأنه لا مضاهاة فيهما لخلق الله.

وجمهور أهل العلم على مشروعية التخصيص بالقياس ..

قال في مراقي السعود في باب المخصصات :

واعتبر الإجماع جل الناس ... وقسمي المفهوم كالقياس .

ومن الأدلة على جواز التخصيص بالقياس أن الصحابة قد اتفقوا على إلحاق العبد
بالأمة في تنصيف الحد، وهو تخصيص بالقياس، فقوله تعالى: { الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ }
[النور:2]، العُمومُ في قوله: {الزَّانِيَةُ} مخصُوصٌ بقوله تعالى في
الإماءِ المملوكَاتِ: { فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ
فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:
25]، والقياسُ هنا هو إلحاقِ العبدِ بالأمَةِ بجامعِ الرِّقِّ في تنصيفِ
العُقوبة، فيكونُ قياسُه عليهاَ مُخصَّصًا لعُمومِ لفظِ { وَالزَّانِي}
.فصار عموم الزانية مخصصا بالنص، وعموم الزاني مخصصا بالقياس على النص.

الوجه الثالث : أن التصوير الفوتوغرافي ليس داخلا أصلا في التصوير المنهي
عنه في الحديث لأنه لا يعدو كونه حبسا للظل وهو أمر حادث ولم يكن موجودا
فلا ينبغي إسقاط أحاديث التصوير عليه لأن الاتفاق في الاسم لا يعني الاتفاق
في حقيقة الماهية .

إذا قالوا إن حبس الظل يسمى صورة فمن الذي سماه صورة ونحن نعلم انه أمر حادث ؟

إن العرف المقارن للخطاب في مسألة التصوير لا يدخل فيه التصوير الفوتوغرافي لأنه لم يكن موجودا يومئذ .

وقد تقرر في الأصول أن العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام، قال في "مراقي السعود" عاطفا على ما يخصص العموم:

والعرف حيث قارن الخطابا ... ودع ضمير البعض والأسبابا

إذن فالذين قالوا بحرمة الصورة الفوتوغرافية إنما قالوا ذالك قياسا على المنصوص عليه وليس لأن التصوير الفوتوغرافي من المنصوص عليه .

يقول فضيلة الشيخ السايس عن التصوير الفوتوغرافي : (: إنّ هذا ليس تصويراً ،
بل حبساً للصورة ، وما مَثَلُه إلا كمثل الصورة في المرآة ، لا يمكنك أن
تقول إن ما في المرآة صورة ، وإن أحداً صوّرها .

والذي تصنعه آلة التصوير هو صورة لما في المرآة ، غايةُ الأمر أن المرآة (
الفوتوغرافيه ) تثبت الظل الذي يقع عليها ، والمرآة ليست كذلك ، ثم توضع
الصورة أو الخيال الثابت ( العفريته ) في حمض خاص فيخرج منها عدة صور ،
وليس هذا بالحقيقة تصويراً ، فإنه إظهار واستدامة لصور موجودة ، وحبس لها
عن الزوال ، فإنهم يقولون : إن صور جميع الأشياء موجودة غير أنها قابلة
للانتقال بفعل الشمس والضوء ، ما لم يمنع من انتقالها مانع ، والحمض هو ذلك
المانع ،) ا ه .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

( الصور الفوتوغرافية
الذي نرى فيها ؛ أن هذه الآلة التي تخرج الصورة فورا ، وليس للإنسان في
الصورة أي عمل ، نرى أن هذا ليس من باب التصوير ، وإنما هو من باب نقل صورة
صورها الله - عز وجل - بواسطة هذه الآلة ، فهي انطباع لا فعل للعبد فيه من
حيث التصوير ، والأحاديث الواردة إنما هي في التصوير الذي يكون بفعل العبد
ويضاهي به خلق الله ، ويتبين لك ذلك جيدا بما لو كتب لك شخص رسالة فصورتها
في الآلة الفوتوغرافية ، فإن هذه الصورة التي تخرج ليست هي من فعل الذي أدار الآلة وحركها ، فإن هذا الذي حرك الآلة ربما يكون لا يعرف الكتابة أصلا ،

والناس يعرفون أن هذا كتابة الأول، والثاني ليس له أي فعل فيها ) " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / السؤال رقم 318 ) .

وقال أيضا Sadويدلك لهذا أنك لو كتبت إلى شخص كتاباً بيدك ثم أدخل في آلة
التصوير ثم خرج هل يقال إن هذه الكتابة من صنع الآلة ؟ لا إنما هي كتابة
الأول ، ولكنها حفظت بواسطة المواد التي طورها الناس الآن في هذه البطاقة ،
فلا تدخل في التصوير أصلاً .) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (12 /
287).

ومع ذالك نقول ينبغي مراعاة الخلاف في هذه المسألة وعدم استخدام الصور الفوتوغرافية إلا إذا دعت الحاجة إلى ذالك لأن الخروج من الخلاف مستحب كما قال في الفرائد البهية :

ومستحبٌ الخروجُ يا فتى ... من الخلافِ حسبما قد ثبت .

وذالك امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" .

وأما تعليق الصور التذكارية على الحائط فإذا اعتبرنا قول المانعين للصور الفوتوغرافية
فهي داخلة في حديث القاسم بن محمد « عن عائشة قالت : اشتريت نمرقة فيها
تصاوير ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب فلم
يدخل فعرفت في وجهه الكراهية . قالت : يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى
رسوله ؛ ما أذنبت ؟ قال : ما بال هذه النمرقة ؟ فقالت : اشتريتها لتقعد
عليها وتوسدها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال : إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة » . رواه البخاري ومسلم .

وأما على القول بمشروعية الصور الفوتوغرافية
– وهو الراجح- فلم أقف على دليل صريح في حرمة التعليق لكن ينبغي أيضا
التنبه إلى أن تعليقها على الحائط يعطيها نوعا من الشبه في الاستعمال مع الصور المحرمة ‘ والتشابه في الاستعمال قد يكون سببا للتشابه في الحكم .

والله أعلم
والحمد لله رب العالمين
.

أجابه، عضو اللجنة الشرعية :
الشيخ أبو المنذر الشنقيطي