دورس من حياة الحبيــــــــ صلــــ الله عليه وسلم ـــى ـــــــــــــب

عزم الرسول صلــــــــــــ الله عليه وسلم ـــــــــى على فتح مكة

سبب عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة ارتبط بنقض قريش لبنود صلح الحديبية الذي عقده في السنة السادسة من الهجرة، حيث أعانت قريش بني بكر حليفتها على قتال قبيلة خزاعة التي دخلت في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستنصرته صلى الله عليه وسلم، فما كان منه إلا أن قال تلك الكلمات المعبّرة عن التزامه بالعقود والعهود ”لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب”، ”لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي”، ”لأمنعنّكم مما أمنع منه نفسي”، ”نُصرت يا عمرو بن سالم”· وهي عبارات جاءت في روايات عديدة كلها تدل على مقدار تمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهوده· كيف لا وقد جاء في محكم التنزيل ”وبعهد الله أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلكم تذكرون”· وكان صلى الله عليه وسلم يقول في الذي لا يفي لذي عهد عهده ”ليس مني ولست منه” مسلم·


درس في التماس العذر وحفظ الفضل
في هذا االفتح موقف يعلمنا التماس المعذرة للمخطئ إذا رجع، وعدم تتبع عوراته، وتقدير أعماله وحسناته وعدم نسيان ماضيه· ذلك أن الرسول عندما تجهز في كتمان وسر أتاه الوحي بأن ممثله إلى المقوقس الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة قد بعث إلى قريش يخبرهم بعزم واستعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لفتح مكة· وهذا يعبر عنه في عصرنا بالخيانة الكبرى التي تستوجب أشد العقاب·· ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقتله أو عزله أو طرده من المجتمع، بل بحث معه الأمر والتمس له العذر عندما صدقه واعترف بخطئه؛ حيث قال له فيما يرويه البخاري ومسلم (يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله، إني كنت امرءا ملصقا في قريش (أي كنت حليفا لهم ولست منهم) وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك·· أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام·
فقال رسول الله: إنه قد صدقكم·· فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق· فقال: ”إنه قد شهد بدرا· وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شتم قد غفرت لكم· وأنزل الله ”يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة···” الممتحنة·


درس في التواضع
من صفات الأنبياء وأتباعهم التواضع عند النصر، والشكر والاستغفار عند الفوز، بعيدا عن كل مظاهر البطر والتكبر والتفاخر والثأر· ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل مكة منحنيا تكاد لحيته تمس ظهر الناقة وهو يرتل آيات بينات من سورة االفتح ولما جاءه رجل يرتعد خوفا قال له (هوّن عليك فإني لست بملِك، وإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد)· وعندما جاء أبو بكر الصديق بأبيه المشرك الطاعن في السن قال له (هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه) قال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت··· فمسح صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: أسلم فأسلم·· ولم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم أنا البطل، أنا صانع النصر·· لأن النصر نصر الله· وقد قال في خطبته يوم الفتح لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده· لا شيء قبله ولا شيء بعده· قال تعالى: ”إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا”·


درس في الصبر والتدرج
من حكمة الدعوة في المنهج النبوي الصبر والسير إلى الهدف بتدرج بعيدا عن الاستعجال والحماسة المفرطة· فالرسول عندما كان في مرحلة بناء الرجال وتأسيس الدعوة وتحطيم الأصنام من القلوب، كان يطوف بالكعبة وهي مملوءة بثلاثمائة وستين صنما· وكان ذلك في المرحلة المكية· وفي السنة السابعة من الهجرة، عندما كانت له دولة قوية، ورغم ذلك لم يأمر بتحطيم الأصنام لأنه لا سلطة له على مكة آنذاك، بل إن الله تعالى نهى عن سب الأصنام حتى لا يرد الكفار بالمثل فيسبوا الله ودينه ”ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم”· أما يومالفتح، فقد أصبحت السلطة له فكان يطعن تلك الأصنام بعود في يده ويقول ”جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد”· وأمر بهدم الأصنام ونادى مناديه ”من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره”·


درس في المرحمة والسلم وحقن الدماء
حدث أن قال سعد بن عبادة رضي الله عنه في الفتح (اليوميوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة)، (اليوم أذل الله قريشا)·· فبلغت هذه الكلمات إلى مسمع الرسول صلى الله عليه وسلم فرد مصححا الفهم والسلوك قائلا ”كذب سعد·· اليوميوم المرحمة· اليوم تعظم فيه الكعبة· اليوم أعزّ الله قريشا”·
وعند دخول مكة فرّق جيشه فرقا، وأوصاهم أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم· وعندما بلغه أن خالد بن الوليد يقتل، قال: قم يا فلان، فأت خالدا فقل له يرفع يديه من القتل· وسأله صلى الله عليه وسلم عندما لقيه: لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال· فقال: هم بدؤونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح وقد كففت يدي ما استطعت فقال (قضاء الله خير)·
ولا ننسى في هذا المقام كلمته المشهورة ”من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن”· وعندما قال: يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم (اذهبوا فأنتم الطلقاء)·


درس في الخدمة العامة
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في 10 رمضان، فصام، ولما بلغ الكديد على 42 ميلا عن مكة أفطر· وقد ثبت في الصحيح أن الصحابة انقسموا إلى قسمين في الأخذ برخصة الإفطار، فلم يعنّف صلى الله عليه وسلم على أحد إلا أنه مدح المفطرين لما قدموه من خدمات مهمة للجيش· فدل ذلك على استحباب وأولوية العمل المتعدي الذي ينفع الآخرين، على العمل القاصر الذي يستفيد منه صاحبه فقط· عن أنس (··· فسقط الصوَّم، وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب··· أما الذين صاموا فلم يعملوا شيئا، وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب وامتهنوا وعالجوا فقال (ذهب المفطرون اليوم بالأجر)·

للامام دوما يأاخي عبد الله


دام قلمك المميز