حكى الشَّيْخُ الإمام الحافظ ضياء الدِّين المقدسي رحمه الله قال: أخبرنا خالي الشيخ أبو عمرُ محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي -رحمه الله- إجازةً, قال:
إن الشيخ المقرئ أبا بكر بن علي بن عبد الله الحرَّاني نزيلَ بغداد حدَّثه سنة سبع وتسعين وخمسمائة بمحلة الصَّالحين بسفح جبل قاسيون, قال: خرجتُ لزيارةِ قبرِ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في آخر خلافة المستضيء أنا وجماعةٌ,
فنزلنا على نقيب من نقباء الأشراف العلويين, فأكرَمنا, وأحسنَ إلينا, وكان هو متولّي الموضع, وإذا له خادم يهودي يتولى أمرَه, وخدمتَه, وكان الذي عرَّف بيننا وبينه رجلٌ هاشميٌّ كان صديقاً لنا,
فلمَّا كنَّا في بعض الأيام جُلوساً عند النَّقيب العلوي؛ إذ قال له الهاشمي -ونحن نسمع-: أيُّها السيِّدُ النقيب! إنَّ أمورَك كلَّها حسنةٌ, وقد جمعتَ الشَّرف, والمروءة, والكرم إلا أننا أنكرنا استخدامَك لهذا اليهوديَّ, واستدناءَك إيَّاه مع مخالفتِه دينك, وأنت وهو كما قال بعضُهم:
إن الذي شُرِّفْتَ من أجِلِه يَـزعمُ هذا أنَّه كاذبٌ
أو كما قال, فكيف هذا؟
فقال النّقيب: هو كما تقولون, إلا أني اشتريتُ مماليك كثيرة وجواري, فما رأيتُ أحداً منهم وافقني, ولا وجدتُ فيهم أمانةً ونصحاً مثل هذا اليهودي, يقوم بأموري كلِّها مع الأمانةِ.
فقال بعضُ الجماعة: فإذا كان على هذه الصِّفة؛ فأعْرِضْ عليه الإسلام, فلعلَّه يسلم. قال: فأرسَل إليه, فلمَّا جاء قال له بعضُ الجماعة: قد دعوناك لكذا, كذا.
فقال اليهوديُّّ: واللهِ لقد عرفتُ حين دعوتموني ما تُريدونَ منِّي.
فقلنا له: إنَّ هذا النقيب قد عرفتَ فضلَه, وبيتَه, ورئاستَه, وهو يُحبُّك!
فقال اليهوديُّ: أنا أيضاً أُحبُّه!
فقلنا له: فلمَ لا تتبعهُ على دينه؟ وتدخلُ في الإسلام.
فقال اليهوديُّ: قد علمتُم أني أعتقد أن عُزيراً نبيٌّ كريم -أو قال: موسى صلوات الله عليه - ولو علمتُ: أن في اليهود من يتَّهم زوجة نبي بسوءٍ, ويسبُّ أباها ويسبُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما اتبعت دينَهم, فإذا أسلمت أنا لِمَنْ أتَّبع؟
فقال الهاشميُّ: تتبع النَّقيب الذي أنتَ في خدمته.
فقال اليهودي: ما أرضى هذا لنفسي!
قال: ولِمَ؟
قال: لأن النقيب يقول في زوجة نبيهِ عائشة ما يقول, ويسبُّ أباها, وأصحاب نبيِّه, فلا أرضى هذا لنفسي أن أتبعَ دين محمد, وأقذف زوجتَه, وأسبُّ أصحابه, فرأيتُ أن ديني دين اليهود خيرٌ من دينه.
قال: فوَجمَ النقيبُ, وأطرق إلى الأرض ساعة, ثم فع رأسه, وقال لليهوديِّ: صدقتَ! مُدَّ يَدَك, أنا أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهدُ أن محمداً رسول الله, إني تائبٌ عمَّا كنتُ عليه من هذا الأمر الذي ذكرت.
فقال اليهوديُّ عندَ ذلك: وأنا أيضاً أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له, وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسوله, وأنَّ كل دين غيرَ الإسلام باطل,
وأسلم, وحسن إسلامه, وتاب النقيب عن الرَّفض, وحسنت توبته" أ . هـ .
فانظر -رحمك الله ! - هذه الحكاية الحسنة, وما فيها من الموعظة لمن له عقل أو ألقى السمع وهو شهيد.
وكيف يسع مسلم يدَّعي الإيمان باللهِ ورسوله صلى الله عليه وسلم ومحبَّته, وموالاته, ثمَّ يطعن في أزواجه وأصحابه مع نصه صلى الله عليه وسلم على أنَّها رضي الله عنها وأباها أحبُّ الناس إليه؟!.
كما ثبت في ((صحيح البخاريّ)) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: "عائشة" قلت: ومن الرجال. قال: "أبوها".
أو ما سمعت قول الله -عزَّ وجلًّ -{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }(النور الآية (23))
فأيُّ وعيد أعظم من هذا, وهذا في حقِّها -رضي الله عنها- إذ هي أمُّ المؤمنات المحصنات منزلةً عند الله وعندَ رسوله صلى الله عليه وسلم من هذه الأمَّة.
وأشكو فريةً من صُنع ِقوم ___ تزول لها سموات وتُرْعِد
بطعن في التي برئتْ بقولٍ ___ من الرحمن من وحي مُؤيد
وطعن في التي الله اصطفاها ___ وطهرها لتصبح زوج أحمد
وأم المؤمنين وبنت من قد ___ مع المختار في الغار تَعبّد
ومن نقلت لنا سنناً وحكماً ___ ومن حملت لنا عِلماً تعدد
ومن كانت لخير الناس حِبٌّ ___ سلو التاريخ يُنْبِيكمُ ويشْهد
ألا إن الخسارة فقْدُ دينٍ ___ وسيرٌ خلفَ أهواءٍ تُمجّد
وتسليم العقول بلا حساب ___ لأصحاب العمائم كي تُبدد
فيا عجباً لإبْنٍ جاء بغياً ___ تمتَّع والداه فجاء يَحْسِد
ويرمي أمنا بالفحش زوراً ___ فَشُلّ لسان من يرمي ويحْقِد
وصاحب عِمّةٍ سوداء بغلٌ ___ يُفخذُ طفلة في المهد ترقد
يُحِلُّ لهم فعائل قوم لوط ___ ويُسْلب خُمْسهم سُحتاً ويحشد
وإن يوماً مررتَ برافضي ___ فأكرم وجهه بصقاً وسدد