مواسم العمر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فالغرض من الخطبة تنبيه الغافلين إلى أن العمر قصير، وإن تعددت مواسمه التي ينبغي على العبد أن يغتنم فيها ما يفوت استدراكه، وهذه المواسم تبدأ من يوم ولادة الإنسان.
1- الموسم الأول: من وقت الولادة إلى زمان البلوغ:
- وهذا الموسم يتعلق معظمه بالوالدين، فهما يربيان ولدهما ويعلمانه، فإن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.
- قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(التحريم:6).
- وقد يُرزق الصبي فهماً من صغره، وهذا من فضل الله عليه، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ)(الأنبياء:51).
- أمثلة على حسن التربية في الصغر:
مر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على صبيان يلعبون، فنفروا من هيبته، ولم يبرح عبد الله بن الزبير، فقال له: "مالك لم تبرح"؟ قال: "ما الطريق ضيقة فأوسعها لك، ولا لي ذنب"!
2ـ الموسم الثاني: من زمان البلوغ إلى منتهى الشباب:
ـ وهذا هو الموسم الأعظم الذي يقع فيه الجهاد للنفس والهوى وغلبة الشيطان، وبصيانته يحصل القرب من الله.
ـ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن ربك ليعجب للشاب لا صبوة له) رواه الروياني في مسنده، وقال الألباني: إسناده جيد، وقال: (سبعة يظلهم الله.. وشاب نشأ في عبادة الله) متفق عليه.
ـ وينبغي على البالغ إذا قدر على الزواج أن يفعل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) متفق عليه.
ـ وليحذر رفقة السوء: قال -تعالى- لنبيه –صلى الله عليه وسلم- (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ.. )(الكهف:28).
3- الموسم الثالث: وهو زمان الكهولة:
ـ وهذا الموسم يبدأ من الأربعين، وفيه بقية من الشباب، وللنفس فيه إلى الشهوات ميل، وإن كانت أضعف من الشباب.
ـ على قدر الشيب في الطاعة يكون النور في الدنيا والآخرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ـ التحذير من أحوال بعض أرباب هذا الموسم الذين يحاكون أحوال الشباب الماضين في المقال والهيئة.
4ـ الموسم الرابع: وهو الشيخوخة:
ـ وهذا الموسم قد يكون في أوله بقية هوى، فيثاب الشيخ على قدر صبره، وكلما قوى الكبر ضعفت الشهوة فلا يراد الذنب.
ـ وليعلم الشيخ قبح الذنب في هذا الموسم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، شيخ زان، وعائل مستكبر، وملك كذاب) رواه مسلم.
5ـ الموسم الخامس: وهو حال الهرم:
ـ لم يبق في زمان الهرم إلا تدارك ما مضى، والاستغفار، والدعاء، وعمل ما يمكن من الخير، والتأهب للرحيل.
ـ جاء في بعض الآثار: "ابن ثمانين أسير الله في الأرض".
ـ كان أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- يصوم في الحر، فيقال له: "أنت شيخ كبير، فيقول إني أعده ليوم طويل".
ـ كان "عامر بن قيس" يصلى كل يوم ألف ركعة، ولقيه رجل، فقال: "أكلمك كلمة، فقال: أمسك الشمس حتى أكلمك".
ـ و "قال لرجل سأله: عجل، فإني مبادر، فقال: ما الذي تبادر إليه، قال: خروج روحي".
خاتمة:
ـ من نظر في شرف العمر اغتنمه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ـ ولينظر الشاب في حراسة بضاعته.ـ وليحفظ الكهل بقدر استطاعته.ـ وليتزود الشيخ للحاق جماعته.
ـ ولينظر الهرم أن يؤخذ من ساعته.والحمد لله رب العالمين.