أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الأبرار الميامين رضي الله عنهم أجمعين
أسأل الله العلي العظيم أن يغفر لنا جميعا وأن يتوب علينا وأن يجيرنا من النار وأن يدخلنا الجنة بفضله ورحمته وأن يسقينا من حوض نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم شربة لا نظمأ بعدها أبدا وأن لا يحرمنا رائحة نعيمه وجناته اللهم آمين يا رب العالمين
قال الإمام أبو محمد عبد الله بن أبي زيد، القيرواني رضي الله عنه وأرضاه:
الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته، وصوره في الأرحام بحكمته، وأبرزه إلى رفقه وما يسر له من رزقه، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيما. ونبهه بآثار صنعته، وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه، فهدى من وفقه بفضله، وأضل من خذله بعدله، ويسر المؤمنين لليسرى، وشرح صدورهم للذكرى، فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين، وبقلوبهم مخلصين، وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين، وتعلموا ما علمهم، ووقفوا عند ما حد لهم، واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم.
(أما بعد) أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه، وحفظ ما أودعنا من شرائعه، فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة مما تنطق به الألسنة، وتعتقده القلوب، وتعمله الجوارح، وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها وشيء من الآداب منها وجمل من أصول الفقه وفنونه، على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى وطريقته، مع ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين، وبيان المتفقهين، لما رغبت فيه من تعلم ذلك للولدان كما تعلمهم حروف القرآن، ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله وشرائعه ما ترجى لهم بركته، وتحمد لهم عاقبته، فأجبتك إلى ذلك رجوته لنفسي ولك من ثواب من علم دين الله أو دعا إليه.
واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأولى ما عني به الناصحون، ورغب في أجره الراغبون، إيصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين ليرسخ فيها، وتنبيههم على معالم الديانة وحدود الشريعة ليراضوا عليها وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم، وتعمل به جوارحهم، فانه روي أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفىء غضب الله، وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر، وقد مثلت لك من ذلك ما ينتفعون- إن شاء الله – بحفظه ويشرفون بعلمه، ويسعدون باعتقاده والعمل به.
وقد جاء أن يؤمروا بالصلاة لسبع سنين، ويضربوا عليها لعشر، يفرق بينهم في المضاجع. فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض الله على العباد من قول وعمل قبل بلوغهم، ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم، وسكنت إليه أنفسهم، وأنست بما يعملون به من ذلك جوارحهم.
وقد فرض الله سبحانه على القلب عملا من الاعتقادات، وعلى الجوارح الظاهرة عملا من الطاعات. وسأفصل لك ما شرطت لك ذكره بابا بابا ليقرب من فهم متعلميه إن شاء الله تعالى، وإياه نستخير، وبه نستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم وتسليما كثير